۵ آذر ۱۴۰۳ |۲۳ جمادی‌الاول ۱۴۴۶ | Nov 25, 2024
القرآن الكريم

وكالة أنباء الحوزة ــ ضرب الله سبحانه لعباده، الاَمثال، وضرب الرسول (ص) لاَُمّته الاَمثال، وضرب الحكماء والعلماء والموَدّبون الاَمثال، فما معنى ضرب المثل؟

وكالة أنباء الحوزة ــ قد استعمل الذكر الحكيم كلاً من لفظي "المَثَل" و"المِثْل" في غير واحد من سوره وآياته حتى ناهز استعمالهما ثمانين مرة، إلاّ أنّ الثاني يزيد على الاَوّل بواحد. والاَمثال جمع لكليهما ويميّزان بالقرائن قال سبحانه: (إِنَّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله عِبادٌ أَمْثالُكُمْ )(1) وهو في المقام، جمع المِثْل لشهادة أنّه يحكم على آلهتهم بأنّها مثلهم في الحاجة والاِمكان.

وقال سبحانه: (تِلْكَ الاَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لعلّهُمْ يَتفَكَّرُون ). (2)

فاقتران الاَمثال بلفظ الضرب، دليل على أنّه جمع مَثَل. إلاّ أنّ المهم هو دراسة معنى "الضرب" في هذا المورد ونظائره، فكثيراً ما يقارن لفظ المثل لفظ الضرب، يقول سبحانه: (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً ). (3)وقال سبحانه: (وَلَقَدْضَرَبْنا للنّاسِ في هذا القُرآن مِنْ كُلّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرون ). (4)

وقد اختلفت كلمتهم في تفسير لفظ "الضرب" في هذا المقام، بعد اتّفاقهم على أنّه في اللغة بمعنى إيقاع شيء على شيء، ويتعدّى باليد أو بالعصى أو بغيرهما من آلات الضرب، قال سبحانه: (أَنِ اضْرِب بِعَصاكَ الْحَجَر) (5)وقد ذكروا وجوهاً:

الاَوّل: إنّ الضرب في هذه الموارد بمعنى المَثَل، والمرا د هو التَمثيل، وهو خيرة ابن منظور واستشهد بقوله: (واضْربْ لَهُمْ مَثَلاً أَصحابَ القَرْيَةِ إِذْ جاءَها الْمُرسَلُون ) (6)أي مثّل لهم مثلاً وهو حال أصحاب القرية، وقال: (يَضْرِبُ اللهُ الحَقَّ وَالباطِل ) (7)أي يمثل الله الحقّ والباطل. (8)وهذا خيرة صاحب القاموس أيضاً.

الثاني: إنّ الضرب بمعنى الوصف والبيان، وقد حُكي عن مقاتل بن سليمان، وفسر به قوله سبحانه: (وضَرَبَ الله مَثلاً عَبداً مَمْلُوكاً لاَ يَقْدِرُ عَلى شَىء). (9)

واستشهد بقول الكميت: وذلك ضرب أخماس أريدت لاَسداس عسى أن لا تكونا (10)

الثالث: إنّ الضرب بمعنى الاعتماد والتثبيت، وهو خيرة الشيخ الطوسى(11) (385ـ 460هـ)، والزمخشري، (12)والآلوسى، (13)(المتوفّى عام 0721) فقد فسّروا به قوله سبحانه: (يا أَيُّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ). (14)

الرابع: إن الضرب في المقام من باب الضرب في الاَرض وقطع المسير، وضرب المثل عبارة عن جعله سائراً في البلاد كقولك : ضرب في الاَرض إذا صار فيها، ومنه سُمِّيَ الضارب مضارباً. (15)

فإذا كان الضرب بمعنى قطع الاَرض وطيّها، فضرب المثل عبارة عن جعله شيئاً سائراً بين الاَقوام والشعوب يمشى ويسير حتى يستوعب القلوب.

وفي المقام كلمة لابن قيم، يوضّح فيها أكثر هذه الاحتمالات:

ضرب الله سبحانه لعباده، الاَمثال، وضرب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لاَُمّته الاَمثال، وضرب الحكماء والعلماء والموَدّبون الاَمثال، فما معنى ضرب المثل؟

قد يكون مشتقّاً من قولك (ضرب في الاَرض) أي سار فيها.

فمعنى ضرب المثل جعله ينتشر ويذيع ويسير في البلاد. وإلى هذا ذهب أبو هلال في مقدمة كتابه. (16)

وقد يكون معنى "ضرب المثل" نصبه للناس بإشهاره لتستدلّ عليه خواطرهم كما تستدلّ عيونهم على الاَشياء المنصوبة. واشتقاقه حينئذٍ من قولهم:(ضربت الخباء) إذا نصبته .

وقوله تعالى: (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الحَقَّ وَالباطل ) (17)أي ينصب منارهما ويوضح أعلامهما ليعرف المكلّفون الحق بعلاماته فيقصدوه، ويعرفون الباطل فيجتنبوه، كما قال الشريف الرضيّ (359ـ 406هـ) في كتابه "تلخيص البيان في مجازات القرآن" : وقد يفهم من ضرب المثل صنعه وإنشاوَه، فيكون مشتقّاً من ضرب اللّبْنِ وضرب الخاتم.

أو قد يكون من الضرب بمعنى : إبقاء شيء على شيء. (18)

ومنه ضرب الدراهم: أي إيقاع النموذج الذي به الصّكُ على الدراهم لتنطبع به، فكأنّ المثل مطابق للحالة، أي للصفة التي جاء لاِيضاحها، وخلاصة القول: ضرب المثل مأخوذ: إمّا من:

1. ضرَب في الاَرض بمعنى : سار.

2. ضربه: نصبه للناس وأشهره.

3. ضرب: صنع وأنشأ.

4. ضرب: إبقاء شيء على مثال شيء. (19)

وبذلك يُعلم تفسير قوله سبحانه: (... وَقالَ الظّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّ رَجُلاً مَسْحُوراً * انْظُر كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الاَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ). (20)

نرى أنّ المشركين وصفوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بكونه رجلاً مسحوراً، فيردّ عليه سبحانه باستنكار ويقول: (انظر ـ أيّها النبي ـ كيف ضربوا لك الاَمثال) أي كيف وصفوك بأنّك مسحور مع أنّ سيرتك تشهد على خلاف ذلك، وما تتلو من الآيات كلامه سبحانه لا صلة له بالسحر وإنّ ما يجدونه خلاَّباً للعقول وآخذاً بمجامع القلوب فإنّه هو لاَجل عذوبته وجماله وإعجازه الخارق وأين هو من السحر؟!

وعلى ذلك فالمعنى المناسب لتفسير الآية ، هو تفسير الضرب بالوصف، وأقرّ به ابن منظور: أن انظر كيف وصفوك بكونك مسحوراً.

وأمّا تفسيره بالتمثيل بأن يقال: انظر كيف مثّلوا لك المثال أو التمثيل، فغير تام، لاَنّ وصف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بكونه "مسحوراً"، لا مثَل سائر، ولا تمثيل قياسي.

ونظيره تفسيره بقطع الاَرض، لاَنّ المشركين ما وصفوه به ليشهّروه حتى يصير قولهم "سيراً في الاَرض".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: الامثال في القران الكريم / العلاّمة المحقّق جعفر السبحاني

1 ـ الاَعراف:194.

2 ـ الحشر:21.

3 ـ إبراهيم:24.

4 ـ الزمر:27.

5 ـ الاَعراف:160.

6 ـ يس: 13

7ـ الرعد:17.

8 ـ لسان العرب:2|37 ، مادة ضرب.

9 ـ النحل:75.

10 ـ تفسير الطبرى:1|175.

11 ـ التبيان في تفسير القرآن:7|302.

12 ـ الكشّاف:2|553.

13 ـ روح المعاني:1|206.

14 ـ الحج:73.

15 ـ الحكم والاَمثال:79.

16 ـ انظر مقدمة كتاب جمهرة الاَمثال.

17 ـ الرعد:17.

18ـ تلخيص البيان في مجازات القرآن: 107.

19 ـ الاَمثال في القرآن الكريم:20ـ 21.

20 ـ الفرقان: 8 ـ 9.

ارسال التعليق

You are replying to: .
captcha